العالم مشغول بأعظم وأخطر اكتشاف بشرى فى هذا القرن وهو «جسيم هيجز» الذى سيشرح لنا سر بداية الكون، ونحن، والحمد لله، مشغولون بلحية ضباط الشرطة وحذف كلمة «مبادئ» من الدستور. وهل من حق الخطيب أن يمشى مع خطيبته فى الشارع بدون محرم، وزواج ملك اليمين لحل مشاكل البنات اللاتى لايرتدين حجاباً، وتعيين النائب القبطى هل هو حلال أم حرام.. إلى آخر هذه القضايا المهمة التى ستجعلنا نتقدم على أوروبا وأمريكا ونمتنع عن استيراد كل مستلزمات حياتنا من الصين البوذية الكافرة!!

لأن تليفزيوناتنا لا يمكن أن تخطئ وتعرض برنامجاً علمياً يشرح ببساطة ما هى النسبية أو ما هى نظرية الكم...إلخ، بسبب أن شاشاتها مزدحمة ببرامج من عينة «حيلهم بينهم» و«صبايا» و«تفسير الأحلام» وإعلانات شداد القوة والتايجر كينج وعلاج بول الإبل!! ولأن الفيزياء شيطان رجيم يكرهها الطلاب كراهية زوجة الأب المتسلطة، ولأن كليات العلوم تعامل من الجامعة هى ومعاملها مثل الجمل الأجرب، ولأن حزب النور يحارب من أجل حقيبة التعليم!! فبالطبع وبالتأكيد لن نفهم ولن نهتم ولو بعد ألف سنة بما هو «جسيم هيجز» أو « هيجز بوزون» الذى احتل المانشيتات ونشرات الأخبار فى العالم كله كأهم حدث علمى فى هذا القرن، ومن الممكن أن يكون أهمها فى التاريخ كله! البحث عن هذا الجسيم كان مثل البحث عن نملة وسط صحراء، وكان الفيزيائى الاسكتلندى «بيتر هيجز» قد تنبأ فى عام 1964 بوجود هذا الجسيم الذى يُعتقد أن المواد الأساسية فى الكون قد انفصلت عنه عند الانفجار العظيم فى بداية الكون منذ 13 مليار عام، ويعتقد أن قوة الجاذبية هى أول ما انفصلت عنه ثم تبعتها بقية القوى، وبدون هذا الجسيم ستكون كل الجسيمات التى تكون الكون مثل «الشوربة»، ومجال «هيجز» هو الذى يمنح حتى الإلكترون كتلته.

كلام صعب ومعقد أشارككم الجهل بمعظمه ولكن الجهل بالتفاصيل لا يعنى تجاهل المبدأ العام وهو احترام المنهج العلمى فى التفكير ومعرفة أن كلمة «ليه» هى سر التقدم، وعدم احتقار المجهود الرهيب الذى يبذله العلماء لفك شفرة الكون بدعوى أننا قد فهمنا كل شىء وأن لدينا أسرار الإعجاز العلمى ومش محتاجينهم فى حاجة!! سأعرض عليكم ما هو المشروع باختصار الذى كان له فضل هذا الاكتشاف العظيم.

إنه «مصادم الهادرونات الكبير» الذى تكلف عشرة مليارات دولار وبنى فى «سيرن» على الحدود الفرنسية - السويسرية واشترك فى تحليل أبحاثه تسعة آلاف عالم، وهو أكبر جهاز اخترعته البشرية فطوله يبلغ 27 كيلومتراً وقد أثارت هذه التجربة خيال الروائيين الأجانب، ومنهم دان براون مؤلف «شفرة دافينشى» الذى كتب رواية «ملائكة وشياطين» عن تدمير الفاتيكان بمادة مسروقة من سيرن، من الممكن أن تسأل عزيزى القارئ وهمّ بيصرفوا كل ده ليه؟ الإجابة من أجل الفضول العلمى، ذلك الفضول الذى جعلك تتحدث فى الموبايل وتشاهد الدش وتتغلب على الجدرى وشلل الأطفال، هم يحبون الحياة بينما نحن كارهون لها.